مها بكر

الروائية لطيفة حليم تريد إعادة الاعتبار لكتابة الرواية الواقعية ولكنها مشغولة بعناية وبطرح فني أكبر عبر أداء سردي تخوضه بثراء معرفتها بالعالم الروائي بثقة وسلاسة تبني معمار روايتها بشغف من تريد أن تكسو عوالمها المتخيلة .. المزدحمة “بكائن لغوي” يرسم المعنى والدلالة لشخوصها وهي تخوض غمار حيواتها الفنية عبر الرواية. استعانت بقول رولان بارت حينما سمى الشكل بكائن لغوي لغنى مصطلحه هذا وهو يمنح الروح لجسد الرواية وتفاصيله.

هي لطيفة حليم الروائية التي تقشر الزيف عن طروحات كبيرة وكثيرة تعم هذا العالم تسرد كوامن روحها وما يؤرقها كذات إنسانية تسعى لكشف العتمة عن قضايا تؤرقنا جميعا قد تم تجاهلها ونسيانها وفق ماتقتضيه موازين هذا الكون المختلة عبر سردها الروائي حيث تقبض على جمر قضايانا الخاصة الجسد،الحرية، الموت، المرأة، الوطن.. الإرث تبدأ بالخاص توسع دوائره حتى يغدو نافذة حية تطل على العام.


قد تتراءى لنا “دنيا جات” رواية سهلة لكن ماأ ن نتوغل في عوالمها حتى نعثر على هذا السرد المعتنى به وأحسبه أحيانا يصل الى مصاف الشعر في أدائه الحيوي والجمالي والدلالي المكثف. أشعر بها وكأنها تريد دس مشاعرها الرهيفة بذكاء ودون أن تشعر القارئ بتدخلها ككاتبة. لمست ذلك في الفصل الثالث وهي تصف الطفل أمين حين يمارس لعبة الدوران وسط الستائر وتحميلها المقطع السردي شحنة شاعرية كبيرة وذات دلالات واسعة أيضا انها عبر “دنيا جات” تطرح سؤالا كبيرا وموجعا عن عجز الانسان العربي في مواجهة ألمه وقضاياه تدعوه للتساؤل عبر نية فنية مضمرة تتركها للقارئ أن يلمسها في الفكرة وهي تتداول بين شخصياتها.حيث اليأس هو الملجأ ودرب الخلاص يتجلى ذلك حينما تتساءل منى احدى شخصيات روايتها عن أولئك الذين يتوسلون أضرحة الأولياء “حالهم في هذا كحالهم في ترجيهم بالعميان والعرجان والشيوخ الهرمين والفقراء..الخ


انها في مقطع سردي صغير تشير الى وضع مأساوي مرير دفع بالكثير أن يشتغل على التاريخ المطفئ أو كما تسمية الروائية “علم أعمال الموتي” وكأنه دعوة الى تثبيط العقل العربي ورؤاه وبقاء عذاباته مشتعلة.وهي تشير بوضوح شديد الى سطوة الذكورة في مجتمعاتنا العربية، بدءا من اللغة وحتى امتلاك الوطن واسره في سطوة الدولة على شعوبها التاريخ ، التراث مفصلان مهمان تتأهب الروائية دائما لاستظهارهما بين الفصل والآخر وبالتحديد الحيز الذي تشغله المرأة فيهما من حيث الكشف عن الجانب المأساوي منه أكثر من المضيء وهي تستطرد كثيرا في بث هذين المفصلين من خلال الحوار المشتعل بين الجدة والحفيدة “الفصل الثالث” حينما تخاطب الجدة حفيدتها قائلة لاتشغلي عقلك بالتاريخ انه صناعة القوي إزاء الضعيف بينما تسعى الحفيدة الى قراءته في النور ، كأنها عبر هذا الحوار المفصلي تسرد قضية كبيرة وقطيعة يراد لها أن تكون بين التراث والمعاصرة .هي رغبة الأتي المضيء أن يخرج من دوائر الماضي المعتم من الإرث البالي منه كأنها رغبة الكاتبة أن تقطع حبل السواد بين جيلين وألمين وقناعات أثقلت كواهلنا.
غرناطة
البصرة
شعب الأمازيغ مفردات ذات محمولات دلالية كبيرة لتقول عبرها رؤىً كاملة وشجاعة روائية تحسب لها وكفى. دنيا جات رواية تسعى لتأنيث هذا العالم ليس عبر مفاهيم ذكر أو أنثى ، رجل أو امرأة وإنما بذكر وأنثى برجل وامرأة معا تدعو لطيفة حليم المرأة ، الإنسانة أن تلتفت الى طاقاتها كفاعلة مؤثرة ومواكبة للحياة يتجلى ذلك في الحوار المعبر بين منى وصديقتها العراقية حينما الأخيرة تقول” لا تبددي زمانك في المطبخ يجب أن تستفيدي من قراءتك لأدب ما بعد الحداثة و ما بعد جبران”هي دعوتها الآسرة للتواصل مع المحيط الكوني وليس في أسر مكان واحد تشير الى جمالية حضورها داخل مساحة الإبداع وبهاء أداءها وفاعليتها القصوى حينما تخبرها عن الرسالة الالكترونية التي تلقتها من الأديبة دونا مارشال وهي تشرح لها كيف يلغي الإبداع الفني الفرو قات بين الأجناس قائلة”عندما أقرأ الشعر وأنا اعزف على الغيار يصفق لي الحضور المتعدد الجنسيات بحراة وحب يبكون وأبكي معهم”هي رواية شدتني وأعجبتني وأنا أجد فيها ذاتي “دنيا جات “روايةُ ُ جسارة الطرح وغواية اللغة

شاعرة سورية تقيم في ألمانيا

دنيا جات” رواية صدرت مؤخراً عن د ار منشورات زاوية الفن والثقافة للروائية المغربية لطيفة حليم وهي أستاذة في كلية الآداب –جامعة محمد الخامس الرباط، حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي عام2003 عن “شاعرات ما بعد جبران” ولها قي النشر “الشعر العربي النسائي في أمريكا” ولها مساهمات وشاركات عدة حيث قدمت الكثير من المحاضرات في أمريكا وكندا حول الأدب العربي النسائي